أثرى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المكتبة بترجمة عربية لكتاب (صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح) لمؤلفه الفرنسي بيار كونيسا وترجمة نبيل عجان، وهو كتاب في الفكر الاستراتيجي معني بتحليل خلفيات ونفسيات ومآلات الحرب ممثلة في العدو الذي يشنها أو تشن ضده.
تضاريس الكتاب
يقع الكتاب في 317 صفحة من الحجم العادي، ويـتألف من ثلاثة فصول ومقدمة مختصرة، يعنى الفصل الأول (ما العدو)  بتحديد ماهية العدو وبالتعرف على صانعيه من مثقفين وساسة ويشرح فيه فلسفيا حاجة الدول والمجتمعات إلى أعداء. 
الفصل الثاني من الكتاب (وجوه العدو: محاولة تصنيف) فيشرح في المؤلف أنواع العدو ، وأنواع السلم، ويحاول إعطاء مثال على كل واحد من تلك الأنواع، أما الفصل الثالث فيحاول فيه المؤلف تفكيك العدو الذي يقول عنه في البداية:”ما دام العدو بنية فهي قابلة للتفكيك”.
يعلن المؤلف منذ البداية أنه في هذا الكتاب لا يحدد الكتاب طريقة مقبولة أو غير مقبولة للقتل ولكنه يرنو إلى تحليل كيفية نشوء علاقة العداوة وكيف يبنى المتخيل قبل الذهاب إلى الحرب.
الكتاب يريد أن يقول أنه لا أحد يقتل من دون مبرر داخلي يجعله يطمئن إلى فعلته الشنيعة، فيتصورها رحمة وإنسانية وغير ذلك من استيهامات، قد يخلقها عنده الدين أو الإيديولوجيا أو الحمية العصبية والعرقية، المهم أن القاتل ـ مع خلفيته المسبقة هذه عن سبب القتل ـ  مرتاح الضمير، ذلك أنه خلق لنفسه قبل ذهابه إلى الحرب عدوا يكون قتله مبررا

ما هو العدو؟
يقول الكاتب إن تعريف العدو ـ حسب ما يظهر ـ هو تعريف اجتماعي أكثر منه حقوقي؛ كما أنه خيار وليس معطى من المعطيات، أي أنه لا ينبني على وقائع عينية ترشحه ليكون عدوا، بل ينبني على حاجة معينة هي التي تلبسه ذلك اللقب كي تبرر محاربته.
ذلك  أن الدول الكبيرة هي من يملك حق تعريف عدوها وتحريفه في نفس الوقت، فإذا رأت أن تعريفا ما لا يخدم مصالحها الاستيراتيجية أو الآنية، لذلك تلجأ إلى وضع مصطلحات تحررها من المسؤولية وتوحي بمسؤولية القتيل عن ما حدث له لا مسؤولية القاتل عن فعلته.
فمثلا ابتكرت أمريكا مصطلح (المحارب غير الشرعي) لتبرير السجن أو التعذيب، وهو المحارب الذي لا يرتدي البزة العسكرية، ولا تنطبق عليه بذلك قوانين حقوق الأسرى، كما أن مصطلح الإرهاب جاء كمراوغة مشابهة، فبما أن الحرب على الإرهاب ليست حربا ضد دولة؛ فإن اتفاقات جنيف لا تطبق على أسراه ومحاربيه.
تبرز قضية الفتى عمر خضر الذي اعتقل في أفغانستان وسجن في غوانتنامو ، حيث بين محامو الدفاع أنه إما أن يعتبر طفلا جنديا نظرا إلى سنه حين تم إلقاء القبض عليه، وبالتالي فهو جزائيا غير مسؤول ، أو محاربا مسؤولا عن أفعاله لا يمكن أن نلومه لأنه قتل جنديا أمريكيا، وهذه حالة شائعة في الحرب.
أنواع العدو
يؤكد بيار كونيسا منذ البداية أنه ليس هناك تصنيف نقي بصورة كاملة بالنسبة للأعداء، إذ كثيرا ما تختلط الأنواع المختلفة في صراع واحد، ثم يقدم ثمانية أصناف من الأعداء الذين نصنعهم كلاً، أو نصطنع العداوة معهم ليصبحوا وقود الالتفاف القومي أو الوطني وأشياء أخرى مهمة استراتيجيا.
وهم: العدو القريب الذي نشترك معه حدودا جغرافية، العدو العالمي وهو المنافس في خصومة قوتين تعطيان لأنفسهما أبعادا عالمية(الحرب الباردة)، العدو الحميم(الحرب الأهلية)، العدو الهمجي(المستعمَر في نظر المستعمِر)، العدو المحجوب(نظرية المؤامرة)، حرب الخير ضد الشر، العدو التصوري(فعل امبريالي للقوة العظمى)، العدو الإعلامي وهو  ما كان الغرب يحاربه بعد الفراغ الذي أنتجته الحرب الباردة.
وكما قدم المؤلف رؤيته في أنماط الأعداء ومن ثم طبيعة الحرب، فإنه عرض في المقابل أنموذجا لجميع أشكال السلام وفق القدرات التي تملكها القوى للتفاعل في ما بينها، وهي: سلم التوازن و سلم الهيمنة وسلم الإمبراطورية و سلم العجز وسلام الرضى.

لماذا العدو؟
يؤدي العدو دورا اجتماعيا وسياسيا ضروريا في المجتمعات المعاصرة؛ وهنا يبرز سؤال كارل شميث: هل يجب على الهوية أن تبنى بالضرورة ضد الآخر؟
العدو يقدم خدمات كثيرة، فهو يعمل مهدئا لقلقنا الذي لا بد أن نسكته بإيجاد عدو  ولو كان متخيلا فقط، كما يمكن لصناعة العدو أن ترسخ الأواصر الجمعية، ويمكنها أن تكون مخرجا بالنسبة إلى سلطة تواجه مصاعب على الصعيد الداخلي.
الأغرب أن يصبح وجود العدو حاجة قومية ملحة، إنه عقار قوي لبقاء دولة أو مجتمع أو عرق ما، لذلك يمكن أن تعتمد استراتيجية ما على قتل الخصم بحرمانه من العدو، نورد هنا الكلمة الشهيرة لألكسندر أرباتوف المستشار الديبلوماسي لميخائيل غورباتشوف 1989:”سنقدم لكم أسوأ خدمة سنحرمكم من العدو”، كان ألكسندر يقول إنه بنهاية صدام حسين في حرب الخليج الأولى ستفقد أمريكا كثيرا من حيويتها.
ليس العدو مستهدفا بالقتل دائما؛ ذلك أن موته سينعكس على قاتله، فلذلك من مصلحة القاتل أن يبقي في عدوه رمقا يستمد منه حياته وحيويته ومبرر بنائه العسكري ولسياسي، ولذلك قيل:إن من يحيا على محاربة عدوه من مصلحته أن يدعه يعيش.
تفكيك العدو
هل يمكن أن نعيش من دون عدو؟ هذا هو السؤال الأول الذي يطرحه بيار كونيسا لتفكيك نوابض الحرب، وسرعان ما يجيب نفسه، “العيش من دون عدو للدولة: صعب ولكنه ممكن”، إن أول خطوة لتفكيك العدو هي: الاعتراف بالمسؤولية والتكفير عن الذنب، كما فعلت ألمانيا 1945 ، لكن روسيا احتفظت بفتيل الأزمة حين رفضت الاعتراف بمسوؤليتها عن قتل 14000 ضابط وكادر بولندي في مذبحة كاتين.
ثم تأتي المصالحة كإحدى وسائل تفكيك العدو، وتبدو المصالحة أحيانا صعبة ولكنها تظل دائما أكثر فاعلية، تتمثل صعوبة المصالحة في سيطرة حرب الذكريات التي من الصعب تجاوزها، خصوصا أن كل الطرفين يحتفظ برواية مغايرة للأحداث.
بعد عرضه لخطوات كثيرة يرى أنها قد تسهم في تفكيك العدو، يقدم المؤلف الاتحاد الأوروبي كتجربة كيان بلا عدو، رغم ما يعترضه من عقبات ذاتية وموضوعية وتحديات خارجية، إلا أن تصوره للدفاع المشترك يمنحه فرصة لتقليل الأعداء.
قراءة بقلم : الشيخ احمد البان

0 النعليقات:

إرسال تعليق

نرجوا التفعال مع المواضيع ولو بكلمة واحدة شكرا فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ..و والله ليس حبا فى الشكر ولكن من اجل ان ينتفع عدد اكبر من الناس من المواضيع وذالك بجعلها فى مقدمة نتائج البحث شاركنا الاجر والثوواب

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الارشيف

مشاركة مميزة

المشاركات الرائجة